منذ ظهور ChatGPT، أحدثت شركة أوبن إيه آي تأثيرًا كبيرًا دفع عمالقة التكنولوجيا مثل جوجل وآبل للانتباه، واليوم، تواجه هذه الشركات الأمريكية تهديدًا جديًا من الصين بفضل شركة ناشئة تُدعى "ديب سيك" التي طورت نموذجًا للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر.
تدعي "ديب سيك" أنها تبنت تقنيات مختلفة عن منافسيها الأمريكيين، مما مكنها من تحقيق نتائج مشابهة لتلك التي يقدمها ChatGPT لكن بتكاليف أقل بكثير.
ما الذي يجعل نموذج ديب سيك مميزًا؟ ولماذا أصبح حديث الساعة في فترة زمنية قصيرة؟ ولماذا تصدّر تطبيقها المجاني قوائم متجر آبل في الولايات المتحدة؟
### ديب سيك: التكنولوجيا المبتكرة والتكلفة المنخفضة
قامت "ديب سيك" بخطوة ذكية عندما توقعت الحظر الأمريكي على تصدير بعض المكونات وقررت شراء حوالي 10,000 وحدة معالجة رسومية (GPU) من إنفيديا قبل أن يبدأ الحظر. بالمجمل، طورت الشركة نموذجها باستخدام 50,000 وحدة فقط، وهو رقم منخفض جدًا مقارنة بـ 500,000 وحدة تستخدمها شركات مثل أوبن إيه آي وجوجل. ومع ذلك، لم تكن القوة الحاسوبية وحدها كافية، فقد أثبتت الشركة أن استخدام هذه الموارد القليلة كان فعّالًا وأدى إلى نتائج إيجابية.
كما أن فريق ديب سيك يضم باحثين من كبار الجامعات الصينية، ويحظى أفراده برواتب عالية تتناسب مع مهاراتهم الفائقة.
### ديب سيك تعيد الصين إلى الواجهة
تأسست "ديب سيك" في 2023 على يد ليانج وينفنج، الذي بدأ مسيرته في مجال إدارة الأموال عندما كان في الثلاثين من عمره. بعد ثماني سنوات، تمكن من بناء فريق من الخبراء الذين طوروا نموذجًا للذكاء الاصطناعي يعتمد على تقنية مختلفة تمامًا، مما مكّنهم من تقديم أداء متميز باستخدام موارد أقل.
تطبيق الشركة المجاني، الذي يعتمد على هذا النموذج، جذب الانتباه سريعًا في الولايات المتحدة، ليحتل صدارة التطبيقات الأكثر تحميلًا في متجر آبل.
### كيف تعمل ديب سيك؟
على الرغم من أن "ديب سيك" لم تكشف عن كافة تفاصيل تقنيتها، إلا أنها أكدت أنها تعتمد على أسلوب تدريب جديد يتيح استخدام عدد أقل من الوحدات الحوسبية دون التأثير على جودة النتائج. كما أنها تقدم نماذج مفتوحة المصدر يمكن للمطورين تعديلها وتطويرها بحرية، على عكس النماذج المغلقة التي تقدمها الشركات الأمريكية مثل أوبن إيه آي.
هذه الاستراتيجية جذبت اهتمامًا كبيرًا من قبل المستخدمين والمطورين على حد سواء، وأثارت قلق الشركات الأمريكية الكبرى، التي ترى أن هذه النماذج قد تعيد تشكيل سوق الذكاء الاصطناعي وتقلل من هيمنة الشركات العملاقة على هذا القطاع.
### مميزات نموذج ديب سيك
ما يميز "ديب سيك" هو فتح الباب أمام تقنيات الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، مما يسمح للشركات الأخرى والمطورين المستقلين باستخدام هذه النماذج وتعديلها بحرية، وهو ما لاقى إعجاب العديد من الخبراء. على سبيل المثال، وصف المستثمر مارك أندريسن نموذج "ديب سيك R1" بأنه واحد من أعظم الإنجازات التي رآها، واعتبر أنه "هدية عميقة للعالم" بفضل كونه مفتوح المصدر.
بينما أنفقت "ديب سيك" نحو 6 ملايين دولار فقط لتدريب نموذجها باستخدام 2,048 وحدة معالجة رسومية من نوع H800 من إنفيديا، فإن شركات مثل أوبن إيه آي وجوجل قد أنفقت مئات الملايين من الدولارات على تدريب نماذجها.
ورغم ذلك، يرى بعض الخبراء أن هذا الرقم لا يمثل التكلفة الإجمالية لتطوير النموذج، حيث تشير التقديرات إلى أن المراحل الأولى من التطوير استهلكت استثمارات ضخمة، وأن "ديب سيك" استخدمت حوالي 50,000 وحدة معالجة رسومية في البداية، وهو ما قد يكلف أكثر من مليار دولار، ورغم ذلك تظل التكلفة أقل بكثير مقارنة بنفقات الشركات الأمريكية الكبرى.
### التحديات التي تواجه ديب سيك
على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته "ديب سيك"، فإن الشركة تواجه تحديات كبيرة. أولاً، نقص الشرائح الحوسبية قد يعيق قدرتها على تلبية الطلب المتزايد. ثانيًا، تواجه الشركة تدقيقًا مكثفًا من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية بسبب المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن القومي، خصوصًا أن تقنيتها تأتي من الصين.
### تأثير نموذج ديب سيك على السوق
نموذج "ديب سيك" لا يشكل تهديدًا لشركات مثل أوبن إيه آي وجوجل فحسب، بل قد يعيد تشكيل السوق بشكل كامل. لفترة طويلة، اعتمدت الشركات الأمريكية على ميزانيات ضخمة وتكنولوجيا مغلقة المصدر للهيمنة على الصناعة، لكن "ديب سيك" أظهرت أن التكنولوجيا مفتوحة المصدر قد تكون بديلاً قويًا وأقل تكلفة.
هذا التحول دفع العديد من الشركات الأمريكية إلى إعادة تقييم استراتيجياتها. على سبيل المثال، قررت شركة "سنوفليك" إضافة نماذج "ديب سيك" إلى منصتها بعد تلقي طلبات عديدة من عملائها.
مع استمرار "ديب سيك" في جذب الانتباه، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن من الاستمرار في الابتكار والنمو في ظل التحديات التقنية والسياسية؟ وفي ذات الوقت، من المتوقع أن تدفع هذه المنافسة الشركات الأمريكية إلى خفض التكاليف وتحسين تقنياتها لمواكبة التطورات الجديدة.
0 تعليق